أحدث المنشورات
التصنيفات
كلمات مفتاحية
- Home
- مقالات
في عمق السجون السورية تختنق أصوات آلاف المعتقلين، بعيدًا عن ضوء الشمس ودفء الحياة. أصواتٌ غُيّبت قسرًا خلف الجدران الموحشة، لأشخاصٍ لم يكونوا يومًا خصومًا سياسيين أو فاعلين في الصراع، بل جنود تجنيد إلزامي في صفوف الجيش السوري، لسنوات طويلة بظروف مادية و خدمية صعبة، وجدوا أنفسهم بعد سقوط النظام ضحايا آلة قمع ومعتقلين بل مخفيين قسراً .
تتوالى الشهادات من عائلاتٍ سورية تتحدث عن أبناءٍ خدموا إلزامياً في الجيش لسنوات، بعضهم لجأ إلى العراق بعد سقوط النظام، وعادوا إلى سوريا بعد وعودٍ رسمية بالعفو أو تسوية أوضاعهم، لكنهم اختفوا فور دخولهم الأراضي السورية.
تقول إحدى الأمهات: «أُبلغنا أن ابني موجود في أحد الفروع الأمنية بدمشق، لكننا لم نتمكن من زيارته، ثم انقطعت الأخبار نهائيًا». شهادات مشابهة تكررت لعائلاتٍ من حلب وحمص ودير الزور وريف دمشق، جميعها توثق نمطًا واحدًا من الاعتقال والإخفاء القسري، وسط تجاهلٍ تامٍّ من الجهات الرسمية.
تُشير تقارير حقوقية محلية ودولية إلى وجود مراكز احتجاز سرّية في دمشق وحلب وإداب ومحيط حمص، يُحتجز فيها آلاف الأشخاص من دون محاكمة، ويُمنع ذووهم من معرفة مصيرهم. بعض من أُفرج عنهم لاحقًا تحدثوا عن تعذيبٍ ممنهجٍ وظروفٍ إنسانية قاسية تُشكّل انتهاكًا صارخًا للقانون الدولي الإنساني، فيما يُهدَّد ذوو المعتقلين في حال حاولوا جمع المعلومات أو المطالبة بالكشف عن مصير أبنائهم.
إن هذه الانتهاكات، التي تطال المجندين الإلزاميين وغيرهم من المدنيين، تُعدّ جريمةً مركّبة تجمع بين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب، وتشكّل وصمة عارٍ على جبين الإنسانية في ظل صمتٍ دوليٍّ مطبقٍ وعجزٍ واضح عن اتخاذ إجراءاتٍ حقيقية لمحاسبة المسؤولين عنها.
ورغم مرور السنوات، لا تزال صور المفقودين والمغيبين تملأ الجدران وصفحات التواصل الاجتماعي، شاهدةً على جرحٍ مفتوحٍ لم يندمل بعد. لم تعد القضية سياسية فحسب، بل إنسانية بامتياز، تتعلق بحق الإنسان في الحياة والحرية والكرامة.
مطالب عاجلة لتحقيق العدالة:
1. الإفراج الفوري عن جميع المعتقلين، ولا سيما أولئك الذين تم احتجازهم على خلفية خدمتهم الإلزامية في الجيش السوري.
2. الكشف عن مصير المفقودين والمغيبين قسرًا، وتمكين ذويهم من معرفة الحقيقة ومتابعة الإجراءات القانونية.
3. السماح للمنظمات الدولية المستقلة، بما فيها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، بزيارة جميع مراكز الاعتقال في سوريا دون استثناء، وضمان وصولها إلى كل المحتجزين.
4. نشر قوائم دقيقة للموقوفين والمعتقلين وتوضيح أماكن احتجازهم ووضعهم القانوني، بما يتيح تتبع أوضاعهم ومحاسبة المسؤولين عن أي انتهاك.
5. إطلاق آلية دولية للمساءلة تضمن محاسبة المتورطين في جرائم الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري، وتعويض الضحايا وأسرهم.
إن استمرار هذه الجرائم يهدد ما تبقى من إنسانية في هذا العالم، ويعيد السوريين إلى زمنٍ ظنوا أنهم تجاوزوه. لن تستقيم العدالة ما دامت السجون تبتلع الأبرياء، ولن تُشفى ذاكرة وطنٍ ما لم تُكشف الحقيقة وتُفتح الأبواب أمام نور الحرية.
لجنة الأسرة والمجتمع