الخطف في سوريا…

أحدث المنشورات

الخبز المؤجّل: حين يتحوّل الصبر إلى سياسة
bread
الخبز المؤجّل: حين يتحوّل الصبر إلى سياسة
هذا ليس نصّا سياسّيّا، إنما هو محاولة لفهم كيف تتحوّل المعيشة إلى معنى، وكيف يُدار الصبر بوصفه لغة الحياة....
التفاصيل
الطبقية الوظيفية في سوريا... رواتب تُقسّم لا توحّد
classified
الطبقية الوظيفية في سوريا... رواتب تُقسّم لا توحّد
لم يكن الصحفي المقرّب من سلطة الأمر الواقع يدرك أن جملته العابرة خلال ظهوره على شاشة “الإخبارية السورية”...
التفاصيل
تفكيك الرعب: الدوام السريّ للسوريّ في شركة الخوف
terror
تفكيك الرعب: الدوام السريّ للسوريّ في شركة الخوف
لا يبدأ السوريّ يومه بقهوة، أو نشرة أخبار، أو الاستماع إلى فيروز، وإنما بتفحّص غير واع لمستوى الخوف المحيط...
التفاصيل
صرخة من وراء القضبان: آلاف المجندين السوريين بين الاعتقال والإخفاء القسري
prison
صرخة من وراء القضبان: آلاف المجندين السوريين بين الاعتقال والإخفاء القسري
في عمق السجون السورية تختنق أصوات آلاف المعتقلين، بعيدًا عن ضوء الشمس ودفء الحياة. أصواتٌ غُيّبت قسرًا...
التفاصيل
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية
BAYAN
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية حول نتائجَ ما سُمِّيَ «لجنة التحقيق في حالات...
التفاصيل

التصنيفات

كلمات مفتاحية

جرح إنساني مفتوح ومرآة لانهيار الدولة والعدالة

تتواصل في سوريا، منذ أكثر من عقد، مأساة المخطوفين والمخطوفات، التي تحولت إلى أحد أكثر الملفات الإنسانية إيلامًا وتعقيدًا في تاريخ البلاد الحديث وجرحا نازفا في قلب المجتمع السوري.

فجريمة الخطف، التي بدأت كأداة ضغط في سياقات الحرب، باتت اليوم مرآةً تعكس عمق الانهيار الأمني والاجتماعي، وتكشف حجم العجز الرسمي عن حماية السوريين وصون كرامتهم وحقهم في الحياة الآمنة.

ظاهرة تتجذر في غياب الدولة

منذ اندلاع النزاع السوري عام 2011، ومع تحوّل البلاد إلى ساحة صراع متعدد الأطراف، بدءا من النظام السوري مرورا بالمعارضة المسلحة وصولا إلى الجماعات الإرهابية “داعش ” و”جبهة النصرة” تزايدت عمليات الخطف بشكل متسارع.

استخدمت قوى مختلفة  من فصائل وتنظيمات مسلحة ومتطرفة إلى شبكات محلية منظمة  هذه الجريمة وسيلة لتحقيق أهداف سياسية وعسكرية أو للابتزاز المالي.

تنوّعت دوافع الخطف بين الضغط السياسي واستهداف الناشطين والمعارضين، وابتزاز العائلات الميسورة للحصول على فدية مالية كبيرة.

لم تسلم النساء والأطفال من هذه الجريمة المنظمة. فكثير من النساء تعرّضن للخطف فيما استخدم الأطفال كرهائن أو أدوات تفاوض بين أطراف مسلحة أو للتجنيد في الميليشيات المسلحة.

منذ مطلع عام 2025، وثّقت منظمات حقوقية أكثر من 55 حالة اختطاف لنساء وفتيات من الطائفة العلوية في الساحل السوري، عاد بعضهن إلى عائلاتهن، فيما بقي مصير البقية مجهولًا.

وفي محافظة السويداء، اختُطفت أكثر من 90 امرأة من الطائفة الدرزية خلال أحداث 17 و18 تموز 2025، ولا تزال عشرات منهن مفقودات حتى الآن.

ولعل من الأبرز والتي هزّت الرأي العام، حادثة الشابة رؤى الأطرش، التي فضّلت ان تنهي حياتها على ان تخطف على يد المجموعات التي هاجمت السويداء في تموز الماضي

المشهد لا يختلف كثيراً في محافظة اللاذقية، فقد شهدت الأيام الماضية احتجاجات واسعة بعد خطف الطفل محمد قيس حيدر في 8 تشرين الأول 2025 من أمام مدرسته و زملائه.

ومع غياب أي تصريح رسمي أو موقف واضح من السلطات، تصاعد الغضب الشعبي وتزايدت التساؤلات حول دور الدولة ومسؤوليتها المباشرة في حماية المواطنين.

انعكاسات إنسانية واجتماعية عميقة

الخطف في سوريا لم يعد جريمة فردية فحسب، بل تحوّل إلى جرح وطني مفتوح خلّف آثارًا نفسية واجتماعية واقتصادية عميقة.

فعلى المستوى الاجتماعي، ساهمت هذه الظاهرة في تفكيك النسيج الوطني وتعميق الانقسامات الطائفية والمناطقية، بعد أن استهدفت جماعات مجهولة فئات محددة، وسط تقاعس أمني واضح.

أما على المستوى النفسي، فإن معاناة المخطوفين وعائلاتهم تتجاوز حدود الاحتمال، إذ يعيشون صدمات مستمرة بين الأمل والخوف، فيما يعاني الناجون من آثار نفسية حادة تمتد لسنوات طويلة.

اقتصاديًا، خلقت جرائم الخطف أعباء مالية ضخمة على العائلات التي اضطرت إلى بيع ممتلكاتها لتأمين مبالغ الفدية، في وقت يشهد فيه السوريون انهيارًا اقتصاديًا ومعيشيًا خانقًا.

المنظمات الحقوقية… جهود محدودة في بيئة معقدة

منذ بدايات النزاع، حاولت منظمات دولية ومحلية من بينها اللجنة الدولية للصليب الأحمر، ومفوضية اللاجئين، والعفو الدولية، وهيومن رايتس ووتش  توثيق حالات الخطف ودعم الأسر المتضررة.

إلا أن ضعف مؤسسات الدولة، وغياب المحاسبة، والانفلات الأمني، جعلت جهود التحقيق والمتابعة شبه مستحيلة.

اصدرت وكالة رويترز تقريرًا وثقت فيه حالات اختطاف لنساء في الساحل السوري، فيما أورد المرصد السوري لحقوق الإنسان أرقامًا متقاربة بالاستناد إلى شهادات من ناشطين وسكان من تلك المناطق.

ورغم تعدد هذه المبادرات، بقي معظمها دون نتائج ملموسة في ظل غياب بيئة قانونية قادرة على تنفيذ العدالة.

مقترحات وحلول مطلوبة

يرى حقوقيون أن معالجة هذه الظاهرة تتطلب قبل كل شيء إرادة سياسية حقيقية على المستويين المحلي والدولي، إلى جانب خطوات عملية أبرزها:

تفعيل آليات العدالة والمحاسبة وملاحقة مرتكبي جرائم الخطف.

تحسين التنسيق بين المنظمات الإنسانية لتقديم دعم نفسي ومادي مباشر لعائلات المخطوفين.

الضغط على الأطراف المتحاربة لاحترام القانون الدولي الإنساني وحقوق المدنيين.

إنشاء سجل وطني للمفقودين والمخطوفين بإشراف أممي لضمان الشفافية والمساءلة.

الكتلة الوطنية السورية:

 العدالة أولاً

من منظور الكتلة الوطنية السورية، فإن قضية المخطوفين والمخطوفات ليست مجرد ملف إنساني أو حقوقي، بل قضية وطنية تمس جوهر فكرة الدولة.

فالدولة التي تعجز عن حماية مواطنيها وتوفير العدالة لهم تفقد شرعيتها الأخلاقية قبل السياسية.

وترى الكتلة أن معالجة هذا الملف يجب أن تكون جزءًا أساسيًا من أي مشروع وطني لإعادة بناء سوريا، وأن العدالة لا تتحقق فقط عبر المحاكمات، بل عبر الاعتراف بالانتهاكات، وجبر الضرر، وكشف الحقيقة، ومنع تكرار الجريمة.

إن الخطف، كما تصفه الكتلة، جريمة مزدوجة: جريمة ضد الضحايا وعائلاتهم، وجريمة ضد الوطن الذي يفقد قيمه حين يُصبح الخوف لغة يومية.

ومن دون العدالة، لا يمكن للسوريين أن يطووا صفحة الحرب أو يبنوا دولة حديثة قائمة على الكرامة والمواطنة المتساوية.

لا دولة بلا عدالة

ملف المخطوفين والمخطوفات في سوريا ليس قضية من الماضي، بل حاضر مستمر يختبر صدقية أي حديث عن دولة القانون.

ولن يكون هناك سلام حقيقي أو مصالحة وطنية ما لم تُفتح هذه الملفات بشفافية، وما لم يُحاسَب المسؤولون عن هذه الجرائم.

العدالة ليست شعارًا سياسيًا، بل شرط للكرامة الإنسانية.

وتؤكد الكتلة الوطنية السورية أن استعادة الأمان تبدأ من استعادة الثقة، وأن إنهاء الخطف والمحاسبة العادلة هما حجر الأساس في أي مشروع وطني جديد يعيد للسوريين أمنهم وإنسانيتهم معًا.

 

دارين الشامي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top