أحدث المنشورات
التصنيفات
كلمات مفتاحية
- Home
- مقالات
لا يمكن الحديث عن مستقبل أي مجتمع دون اعتبار شريحة الشباب، عماد المجتمع ومحرك التغيير، فهم رواد التغيير، وعندما يمتلكون الوعي لأهمية التغيير، ويتحركون، تهتز الأرض تحت أقدام أي سلطة، تكرس هيمنتها الديكتاتورية أو الفاشية على المجتمع. فالشباب ليس مستقبل الوطن فحسب، بل حاضره أيضا، وهذا يتطلب من الكتلة الوطنية السورية اعتباراهم العامود الفقري لأي فعل سياسي تطمح له في عملية التغيير.
خلال الأسبوعين الماضيين عقدت ندوتين مع مجموعة من شباب جامعة دمشق، حول أفاق المستقبل تحت هيمنة هيئة تحرير الشام على السلطة، وفي مداخلة لإحدى الشابات من جامعة دمشق، وهي طالبة جامعية، استوقفني كثيرا ما قالت: يدعوننا إلى ندواتهم ومحاضراتهم (تقصد السياسيين والمثقفين)، نسمع منهم نضالهم وبطولاتهم، ومدى القهر الذي عاشوه في ظل الديكتاتورية، نقدر هذا كله لهم، لكن لم نسمع من أحدهم مره عن تقييم تجربتهم، أو نقدهم لها، وكأنهم ملائكة، ليس هذا فحسب، بل يتجاهلون ما نطلبه منهم لمناقشة تجربتهم، أنهم يسمعون أنفسهم فقط، نحن يسكننا خوف وقلق ورعب من المستقبل، وعدم الأمان في كل شيء حتى في تحركنا إلى الجامعة والعودة منها.
( أخطر ما في الشباب أن الشيخوخة تأتي عليهم. جورج برنادشو)،
في اعتقادي أن شريحة الشباب في سورية تعيش أزمة وجودية، فرضتها الأزمة السورية منذ أربع عشر عاما، بكل تجلياتها ونتائجها المدمرة على كافة الشرائح العمرية للمجتمع السوري، فالشباب يعيشون في حيرة بين ما يقال لهم عن الماضي، وما يحصل فعليا في الحاضر، وشعورهم بالغربة والاغتراب داخل الوطن وخارجه في دول اللجوء، وصدمة الحرب وفقدان الأمن والأمان، وتفكك النسيج الاجتماعي، وضياع الأحلام والطموحات الشخصية، إضافة لتعدد الولاءات السياسية والدينية لأهلهم وانعكاس هذا الأمر عليهم، وفقدان الهوية الوطنية الجامعة التي تكرس فيهم الانتماء الوطني.
إن الممارسات والانتهاكات الجسيمة بحق المجتمع السوري من قبل سلطة الأمر الواقع، دفعت كثيرا من شريحة الشباب لعدم الثقة بالقوى السياسية القديمة والناشئة، ومؤسسات الدولة الجديدة بعد تدمير القديمة بشكل ممنهج، لتمكين سلطة الأمر الواقع في هندسة هذه المؤسسات لصالحها واستمرار سلطتها، وإن شعورهم بعدم الجدوى والفعالية لأي نشاط سياسي يقومون به، إضافة لانشغالهم بالهموم الحياتية والمعيشية اليومية، بسبب إنهاك ما تبقى من الحياة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتعليمية، وانتشار الفساد والمحسوبية، والتمييز العنصري الذي يتعرض له جزء من شريحة الشباب بسبب انتمائهم البيولوجي لطوائفهم.
إن تجاهل هذا الشريحة وفهم ظروفها، وطبيعة تطلعاتها وأملها على المستوى الشخصي، أو على مستوى المجتمع، لم يعد ممكنا لأي تحرك ذا جدوى على المستوى السياسي، أو بناء مستقبل للمشروع الوطني المواطني.
هذا يتطلب بالضرورة العودة إلى أصحاب الشأن أنفسهم أي الشباب، لسماع أرائهم بكافة القضايا على المستوى الشخصي، أو على المستوى العام، وإعطائهم الحق في التعبير عن هواجسهم وتساؤلاتهم، وطريقة عيشهم ومشاكلهم، وأساليب تفكيرهم، وما ينجم عنها من تغيرات في السلوك الفردي، والوعي الجمعي لهم، دون أي محاباة أو أقنعة، أو تسويف للواقع، فهم من أكثر الشرائح الاجتماعية انفتاحا، وأشد تطلعا وطموحا، فهم يميلون إلى التغيير والتمرد على الواقع، بما يحمل من إرهاصات وتناقض على مستوى القيم وطريقة الحياة. من أجل أن نحدد الطريقة المثلى للتعاون البناء، والتفاعل معهم، وإشراكهم في أي مشروع سياسي، يحقق رؤية الكتلة ومشروعها الوطني المواطني.
إن لم نستطع تحويل طاقاتهم إلى قوة إيجابية للتغيير، من خلال مشاركتهم الفاعلة في مشروع الكتلة ورؤيتها، وبناء جسور الثقة فيما بيننا، والسماع لأفكارهم، والتفاعل معها، لا يمكننا التقدم بأي خطوة ذات أثر وفعالية في عملية التغيير، تحدد مسار مستقبل هذا المشروع .
هل تستطيع الكتلة الوطنية السورية فعل ذلك؟ في اعتقادي نعم تستطيع ذلك لكن بشرط أن لا تحاول إقناعهم بمشروع الكتلة ورؤيتها، بل في إقناع نفسها أنها لا تستطيع الاستمرار بدون شريحة الشباب، والعمل على إيجاد كافة الطرق والأساليب البناءة في تحويل تلك الشريحة إلى جزء أساسي من تركيبتها السياسية، وأن تعترف بخصوصية عمرهم، وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم، وعن أفكارهم ومعتقداتهم دون خجل أو مواربة، أو وصاية.
ناصر الغزالي