أحدث المنشورات
التصنيفات
كلمات مفتاحية
- Home
- أوراق الكتلة
: دورها ومكانتها الدستوريّة في سورية الجديدة
(القسم الأول)
- مقدمة
يشكّل نمو النقابات المهنية والعمالية واتحاداتها، إلى جانب الجمعيات الثقافية والخيرية، أحد أبرز مؤشرات تقدّم المجتمع السياسي ونضج العلاقات الاجتماعية، إذ تعكس هذه التنظيمات درجة الترابط بين مختلف شرائح المجتمع وتنوّع توجهاته. وتبرز أهمية النقابات المهنية باعتبارها مؤسسات مجتمع مدني قادرة على تحويل العلاقات التقليدية الجامدة إلى علاقات طوعية قائمة على المشاركة الديمقراطية، وهذا يسهم في بلورة نظام سياسي حديث يقوم على التعددية والمساءلة.
وتمتاز النقابات عن غيرها من منظمات المجتمع المدني بخصائص تجعلها أكثر تأثيراً: فهي تحقّق مكاسب مباشرة لأعضائها، وتستند إلى قاعدة من الوعي والتعليم، وتتمتع باستقلالية نسبية في مواردها، إضافة إلى أهمية المهن التي تمثّلها (طب، هندسة، محاماة…) التي تضعها في تماس مباشر مع المواطنين. من هنا، ورغم دور النقابات السورية الفاعل والإيجابي وحصولها على مكتسبات هامة، قبل العام 1980، فالحفاظ عليها وتطويرها واجب، وذلك على المستوى القانوني والتنظيمي والدور في الحياة السياسية والاجتماعية. استطاعت السلطة السورية بعد العام 1980 رهن النقابات العمالية والمهنية إلى إرادتها، ما أدّى إلى ضعف الحياة الحزبية والنقابية، وغياب التعددية السياسية في سورية، لذلك تكتسب النقابات بعداً استثنائياً في تلك المرحلة، إذ يمكن أن تشكّل رافعة مرحلية للتغيير الديمقراطي، ومنبراً للدفاع عن الحقوق السياسية والاجتماعية بعيداً، ولو نسبياً، عن هيمنة السلطة.
- تعريف النقابات المهنية
النقابة المهنية هي تنظيم جماعي طوعي يضمّ أفراداً يمارسون مهنة واحدة أو مهناً متقاربة، يهدف إلى الدفاع عن مصالحهم المهنية والاقتصادية والاجتماعية، وضمان تطور المهنة وحماية حقوق المشتغلين بها. وينظر إلى النقابة، في التجارب الدستورية الحديثة، باعتبارها أداة للتوازن بين السلطة والمجتمع.
المبادئ القانونية التي تحكم عمل النقابات
- مبدأ الإجبار بالانضمام إلى نقابة.
- مبدأ الانتخاب.
- مبدأ المؤسسة المهنية الواحدة.
- مبدأ التخصص.
- مبدأ الخضوع لمزيج من قواعد القانون العام وقواعد القانون الخاص.
ويدير شؤون النقابات قيادات منتخبة من أعضائها، تقوم أساساً على الدفاع عن الفئة التي تمثّلها، إلا أنها لا تقوم بمعزل عن المجتمع الذي تتحرك فيه، لذلك فهي تهتم بالقضايا العامة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وتشارك في التفاعلات المختلفة للمجتمع على اعتبار أن عضو النقابة هو فرد مجتمع له توجهاته واهتماماته الأخرى قبل أن يكون عضواً في نقابة.
تصنيف النقابات المهنيّة
يمكن اقتراح تصنيف للنقابات المهنيّة في سورية المستقبلية استناداً إلى التجارب الدستورية المقارنة، مع مراعاة مبدأ اللامركزية النقابية، على النحو الآتي:
- أ- نقابات محلّية: تمثّل العاملين أو المهنيين ضمن المدن أو المحافظات، وتعالج قضاياهم المباشرة.
- ب- نقابات قطاعية أو مهنية: تضمّ الأطباء، المهندسين، المحامين، المعلّمين، عمال النقل، الغزل والنسيج… إلخ.
- ت- اتحادات إقليمية: تنسّق بين النقابات المحلّية والقطاعية ضمن نطاق جغرافي أوسع (تنظيمي لا فيدرالي).
- ث- اتحاد عام أو كونفدرالية وطنية: يمثّل مختلف النقابات أمام الدولة والهيئات الدولية، ويقوم بالتنسيق على المستوى الوطني.
تقوم النقابات المهنية بتأدية الوظائف التالية:
- رعاية المصالح المهنية، والدفاع عنها.
- تهيئة قناة للمشاركة السياسية بإبداء الرأي حول القضايا ذات الأهمية الوطنية.
- الإسهام في عملية البناء والتقدم الوطني.
- تعبّر عن وظيفة ثقافية تعزّز الاحترام للكرامة الإنسانية وتعمّق مفهوم الحرية في المجتمع.
- نشر الوعي الحقوقي، التدريب المهني، تعزيز التضامن الاجتماعي.
- إنها تعبّر عن فكرة الانتماء الاجتماعي وتكتّل التضامن الطبقي في الصراع الاقتصادي حول علاقة القوة التي فرضها النظام الرأسمالي.
- قد يكون لها أنشطة وأهداف على المستوى العربي والإقليمي والدولي من خلال الالتزام بأهداف مشتركة وتوجيه جهودها نحن بلوغ هذه الأهداف.
مواد دستورية لتنظيم عمل النقابات المهنية
الحق في التنظيم النقابي:
تكفل الدولة لجميع العاملين في القطاع العام والخاص، وأصحاب المهن الحرّة والحرفيين، الحق في تكوين نقابات مهنية واتحادات وجمعيات، ليأتوا للانضمام إليها من دون إذن مسبق، وذلك للدفاع عن مصالحها الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والمكتسبات التي حصلت عليها عبر نضالها، ولتطوير المهنة وحماية حقوق المشتغلين فيها، ولا يجوز حلّ هذه النقابات وتعليق نشاطها إلا بموجب قرار قضائي يحدّد الأسباب والدوافع القانونية لهذا القرار.
استقلالية النقابات:
تكفل الدولة استقلالية النقابات، وتحظر كل أشكال الوصاية أو التدخّل من السلطة التنفيذية والأحزاب الحكومية في شؤونها. ولا يجوز لأي قانون أن ينتقص من حقّها في التعددية النقابية أو في ممارسة حقها المشروع في الإضراب أو الاحتجاج بكافة الوسائل السلمية.
التمثيل والمفاوضة الجماعية:
تعترف الدولة اعترافاً كاملاً بدور النقابات كشريك في الحياة السياسية والاجتماعية، وتكفل مشاركتها في صياغة ورسم السياسات العامة المتصلة بالعمل والاقتصاد عبر الحوار والمفاوضات الجماعية، مع ضمان استقلاليتها الكاملة عن السلطة التنفيذية والأمنية.
الطبيعة القانونية للنقابات:
تُعدّ النقابات المهنية شخصيات اعتبارية مستقلّة، تتمتع بحرية في إدارة شؤونها الداخلية ومواردها، ولها حق التقاضي باسم أعضائها، ولا يجوز حلّها أو تعليق نشاطها إلا بقرار قضائي مسبَّب ونهائي.
– حماية المصالح المهنية:
تكفل الدولة للنقابات حق الدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية والمهنية لأعضائها، بما في ذلك التفاوض بشأن الأجور وظروف العمل والتقاعد، وتطوير المهنة ورفع كفاءة المشتغلين فيها.
– البعد الاجتماعي للنقابات:
تُعدّ النقابات مؤسسات اجتماعية تسهم في تعزيز التضامن بين أعضائها، ونشر الثقافة الحقوقية والمهنية، والمشاركة في تطوير الوعي الديمقراطي في المجتمع.
-النقابات كجزء من المجتمع المدني:
تُعدّ النقابات من الركائز الأساسية للمجتمع المدني، وتشارك بفعالية في الحوار الاجتماعي وصياغة السياسات العامة، بما يعزز التعددية والديمقراطية التشاركية.
– تصنيف ووظائف النقابات
تكفل الدولة حرية تكوين النقابات على المستويات المحلّية والقطاعية والوطنية، وتضمن حقّها في إنشاء اتحادات أو كونفدراليات مستقلّة وفقَ مبدأ اللامركزية النقابية. وتباشر هذه النقابات وظائفها في تمثيل أعضائها والدفاع عن حقوقهم، والمشاركة في المفاوضة الجماعية وصياغة السياسات العامة، وتعزيز الثقافة الحقوقية والتضامن الاجتماعي. ولا يجوز حصر التمثيل النقابي في اتحاد واحد تفرضه الدولة أو أي جهة سلطوية، ويُعدّ أي قيد من هذا النوع باطلاً ومخالفاً لمبادئ الحرية النقابية.
– الترشّح والانتخابات النقابية
تجري انتخابات مجالس النقابات عبر اقتراع سرّي مباشر، وفق مبادئ المساواة وتكافؤ الفرص بين جميع الأعضاء، ومن دون أي تمييز بسبب الانتماء السياسي أو الديني أو الاجتماعي. وتُعقد الانتخابات بشكل دوري منتظم بما يضمن التداول الديمقراطي للقيادة النقابية. وتكفل الدولة شفافية العملية الانتخابية عبر آليات رقابية مستقلّة أو قضائية، ويُعدّ باطلاً أي تدخل من السلطة التنفيذية أو الأحزاب في شؤونها.
– القوانين وحلّ الخلافات
تخضع النقابات المهنية والعمالية في تنظيم شؤونها للقانون، شرط ألّا يتعارض مع مبادئ الحرية النقابية المنصوص عليها في الدستور. ولا يجوز لأي سلطة تنفيذية أو إدارية التدخّل في وضع أنظمة النقابات الداخلية أو انتخاباتها أو إدارة مواردها. وتحلّ النزاعات النقابية عبر آليات التحكيم أو الوساطة أو القضاء المستقلّ، ولا يجوز حلّ أي نقابة أو تعليق عملها إلا بموجب حكم قضائي مسبّب ونهائي.
الخصائص والدور السياسي للنقابات: دور النقابات الوطني والخارجي
تُعتَبر النقابات المهنية والعمالية مؤسسات مستقلّة ذات طابع تمثيلي وديمقراطي، وتُعد شريكاً أساسياً في صياغة السياسات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية على المستوى الوطني. ولها الحق في تكوين اتحادات أو كونفدراليات والانضمام إلى منظمات إقليمية ودولية، بما لا يتعارض مع استقلال البلاد وسيادتها. وتكفل الدولة مشاركة النقابات في الحوار الاجتماعي والوطني باعتبارها قوة ديمقراطية وسيطة بين المجتمع والدولة.
– الاتصال المؤسسي: العلاقة بين النقابات والحكومة
تُعدّ النقابات المهنية والعمالية شريكاً في الحوار الاجتماعي والمؤسسي مع الحكومة وأصحاب العمل، وتشارك عبر ممثّليها في صياغة القوانين والسياسات العامة ذات الصلة بالعمل والاقتصاد والتشريع الاجتماعي. وتتمّ هذه العلاقة على أساس الاستقلالية والندّية، ويُحظر تحويلها إلى تبعية أو وصاية حكومية أو حزبية. وتكفل الدولة آليات حوار مؤسسي دوري ومنظّم، بما يعزّز الشفافية والتعاون، من دون المساس باستقلال النقابات.