المرأة السوريّة بين ذاكرة الحريّة ومفارقة الصمت

أحدث المنشورات

الخبز المؤجّل: حين يتحوّل الصبر إلى سياسة
bread
الخبز المؤجّل: حين يتحوّل الصبر إلى سياسة
هذا ليس نصّا سياسّيّا، إنما هو محاولة لفهم كيف تتحوّل المعيشة إلى معنى، وكيف يُدار الصبر بوصفه لغة الحياة....
التفاصيل
الطبقية الوظيفية في سوريا... رواتب تُقسّم لا توحّد
classified
الطبقية الوظيفية في سوريا... رواتب تُقسّم لا توحّد
لم يكن الصحفي المقرّب من سلطة الأمر الواقع يدرك أن جملته العابرة خلال ظهوره على شاشة “الإخبارية السورية”...
التفاصيل
تفكيك الرعب: الدوام السريّ للسوريّ في شركة الخوف
terror
تفكيك الرعب: الدوام السريّ للسوريّ في شركة الخوف
لا يبدأ السوريّ يومه بقهوة، أو نشرة أخبار، أو الاستماع إلى فيروز، وإنما بتفحّص غير واع لمستوى الخوف المحيط...
التفاصيل
صرخة من وراء القضبان: آلاف المجندين السوريين بين الاعتقال والإخفاء القسري
prison
صرخة من وراء القضبان: آلاف المجندين السوريين بين الاعتقال والإخفاء القسري
في عمق السجون السورية تختنق أصوات آلاف المعتقلين، بعيدًا عن ضوء الشمس ودفء الحياة. أصواتٌ غُيّبت قسرًا...
التفاصيل
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية
BAYAN
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية
بيان صادر عن لجنة الأسرة والمجتمع في الكتلة الوطنية السورية حول نتائجَ ما سُمِّيَ «لجنة التحقيق في حالات...
التفاصيل

التصنيفات

كلمات مفتاحية

مقدّمة: حين يتكلّم التاريخ ويسكت الحاضر

لم تكن المرأة السوريّة في يومٍ من الأيام تفصيلًا ثانويًّا في سرديّة الوطن، بل كانت دومًا روحًا فاعلة في عمق الحضارة ووجدان الشعب، فمن الألواح التي حملت أناشيد الكاهنات في أوغاريت، إلى المدن التي نسجت قماشها، ومن شعلة الوعي التي رفعتها في وجه القهر، إلى دفتر المعلّمة والمقاتلة والممرّضة، حضرت المرأة السورية لا بوصفها تابعًا، بل جوهرًا، وبالرغم من هذا الحضور المتجذّر، لا يزال الواقع المعاصر يفرض عليها أشكالًا جديدة من التهميش، تارةً باسم الستر، وتارةً أخرى تحت عنوان الهُويّة، في الوقت الذي تُرتكب بحقها انتهاكات جسيمة لا تجد من يسائل أو يحاسب.

من ذاكرة الحضور إلى حاضر الإقصاء

في مسار التاريخ السوريّ، كانت النساء في الطليعة، ففي الثورة السورية الكبرى، حملن الرسائل في الخفاء، وفي العقود الأخيرة، حملت المعلّمات والأديبات مشاعل التنوير في وجه الانغلاق، وفي سنوات الحرب، كنّ سندًا للأحياء والمجالس المحلية، وكان بعضهنّ أمّهات لمعيلين غابوا، وشاهدات على الجراح، لكن حين يُفرض الصمت على هذا التاريخ، ويُجبر الجسد على الغياب، تخسر البلاد ذاكرتها وضميرها معًا.

حضور جماهيريّ للمظهر وغياب صادم للكرامة

في المشهد الميدانيّ اليوم، تُنظّم مسيرات نسائية في بعض المدن السورية تحت عناوين اللباس الشرعي، تُرفع فيها لافتات تحدّد المسموح والمرفوض في شكل المرأة، ويُقدَّم الغطاء الكامل لا بوصفه خيارًا فرديًا، بل بوصفه هُويّة جماعيّة مفروضة، ويُفتح المجال واسعًا لهذه الدعوات في الفضاء العام، في حين يُغضّ الطرف عن حالات الخطف والاعتقال والإخفاء القسريّ التي تطال نساء بلا صوت ولا حماية. هذا التناقض لا يكشف خللًا في الأولويات وحسب، بل يطرح سؤالًا أخلاقيًا عميقًا: لماذا يُسمح بالحشد لفرض مظهر معيّن على النساء، ولا يُسمح بالحديث عن حريتهنّ في الوجود؟ ولماذا تتحوّل كرامة المرأة إلى قضية لباس، في حين يُغفل وجودها بوصفها إنسانًا متكاملًا في الحقوق والكرامة.

 الستر ليس قيدًا والكرامة لا تختزل في المظهر

تدرك الكتلة الوطنيّة السوريّة أنّ للستر معنى دينيًا وثقافيًا نبيلًا، لكنها تفرّق بوضوح بين القيمة والإكراه، فالقيمة تصان بالعدالة، أمّا الإكراه فيطمس حرية الإنسان باسم الفضيلة، والكرامة لا تقاس بطول الثوب، بل بعمق الأمان، ولا تصان العفّة بالعزل، بل بالثقة والحق في الاختيار، فعندما يصبح الجسد محلًّا للمراقبة الدائمة، وتُسحب من المرأة حريتها في التعبير والوجود، ينقلب الستر من أخلاقياته إلى أدوات إخضاع مقنّعة.

رؤية الكتلة الوطنيّة السوريّة

تؤمن الكتلة بأن حرية المرأة ليست امتدادًا للحرية العامة، بل هي قلبها الحقيقي، فمجتمع يراقب مظهر النساء أكثر ممّا يراقب جرائم السلطة، هو مجتمع يفتقر إلى معنى الإنصاف، وفي هذا المنحى لا ترى الكتلة في الحجاب تهديدًا، ولا في السفور انتصارًا، إنّما ترى في التنوّع مصدر قوة، لا تهديدًا كما يُصوّر.

 خاتمة: حين تُستعاد الذاكرة تولد سوريا من جديد

تجدّد الكتلة الوطنيّة السوريّة التزامها بقيم الحريّة والعدالة والمواطنة المتساوية، وتدعو إلى إعادة الاعتراف بالمرأة السوريّة بوصفها ركيزة في هُويّة المجتمع والدولة، فهي ليست جسدًا يُراقب أو يُغطّى، بل روحًا تحرّر وعقلًا يسهم وضميرًا يضيء الطريق، وإنّ عودة النساء إلى مركز السرد الوطنيّ هي عودة سوريا إلى وعيها العميق، واسترداد الإنسان السوريّ لكرامته المهدورة بين الخوف والصمت.

د حنين الغزالي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Scroll to Top